1.وقفت بين مرآتين .. نظرت للأولى فوجدت عشرات الإنعكاسات و لكن – لدهشتى – كان آخر إنعكاس أستطيع رؤيته لا يشبهنى كليا .. كان أكثر وسامة و تبدو على وجهه طيبة شديدة و يبتسم إبتسامة عذبة و هو يحمل "سجادة" صلاة .. إلتفت إلى المرآة الأخرى فوجدت نفس الإنعكاسات و لكن كان آخر إنعكاس على النقيض تماما فكانت ملابسه غريبة الشكل .. بنطاله مهترئ و قد أسقطه إلى حوضه .. و كان غضب الله يبدو على وجهه و هو يبتسم تلك الإبتسامة الشريرة و يرفع السيجارة إلى فمه .. نظرت للإثنين مليا ثم إتخذت قرارى و مضيت .
2.كانت فكرتى عن البنت - أو المرأة عامة - هى الغموض .. الحياء .. الخجل .. و الإنغلاق .. و لكن إذا كانت هذه الفكرة صحيحة فإن مصر تعانى مشكلة خطيرة من نقص الإناث ! .. فالبنت المصرية اليوم - إذا تغاضينا عن القلة - هى أبعد ما تكون عن الإنغلاق أو الغموض فهى تصاحب .. تتعارك .. تتميز بـ "بجاحة" غير عادية و سطحية شديدة .. بل و حتى .. تسب ! حقا إذا ذهب الحياء حل البلاء .
3.تعريف صاحب النفوذ : هو من يستطيع أن "ينفذ" عبر باب الفرن متجاوزا الطوابير المرسلة و يشترى الخبز و يخرج حيا بمعجزة ما .. و سليما بمعجزة أعظم !
4.الفول و الفضول هما المكونان الأساسيان فى المواطن المصرى .. فيكفى أن يسمع أى منهم صوت ضجيج فى الشارع لكى ينطلق جريا إلى الشرفات للمشاهدة .. و تستطيع عندها رؤية عشرات الرؤوس البارزة و سماع عبارة " هو فى إيه ؟ " تتنقل على جميع الألسنة .. و أنا أولهم !
5.تخيل أنك تجلس فى بيتك وحيدا .. أنك ترى ستارا .. تخيل أن تحت هذا الستار يستقر حذاء قديم غريب الشكل .. تخيل أنك لم تر هذا الحذاء من قبل .. تخيل أن الستار بدأ يهتز و أن الحذاء بدأ يتحرك نحوك .. و الآن تخيل أنك تنظر لمن يرتدى الحذاء لتجده لا أحد !
6.نظر إلى باب الشقة متوقعاً أن يرن الجرس في أي لحظة ..
شغور غامر من اللهفة يجتاح كيانه .. يشعر بقلبه يخفق بقوة .. كلما سمع صوت خطوات على الدرج يتجه سريعاً لينظر من عدسة الباب و يتوقف قلبه لثواني .. عندها يصاب بخيبة أمل لكن قلبه يعود للخفقان أشد من ذي قبل و قد زاد تلهفاً على تلهف ..
كل عشر دقائق يقف أمام المرآة ليعيد تمشيط شعره و يتأكد أنه يبدو في أفضل شكل ممكن فقط من أجل هذا اللقاء ..
هل تكذب أذناه أم أنه يسمع صوتها العذب يقترب ؟ .. ركض إلى العدسة مجدداً و نظر من خلالها .. هل تكذب عيناه أم أنه يرى وجهها الجميل الذي لازم خيالاته و أحلامه ؟
شعر بعجز عن تحريك جسده للحظات من شدة الانفعال ثم تماسك و استعد ..
بعد نصف ساعة ..
-" آسفة .. لن نستطيع البقاء أكثر من هذا .. الامتحانات كالعادة .."
أمسك يدها ليصافحها فشعر بالرغبة في أن يضمها إليه .. هل يجب حقاً أن يترك يدها ؟ .. هكذا فكر ..
و هكذا شاهدها و هي تنصرف .. كنسمة باردة في صيف حار .. كحلم جميل لم يدم ما يكفي للاستمتاع به .. و شعر بقلبه - الذي لم يكف عن الصراخ بإسمها طوال النصف ساعة – يحاول أن يهرب من صدره ليبقى معها و كأنها تجذبه جذباً إليها ..
شعر عندها كمن مكث في الصحراء شهوراً بدون زاد .. و في النهاية وجد شربة مياه لا فائدة لها إلا أن تشعل رغبته في الحصول على المزيد .. و عندها .. خطرت له فكرة .. نفذها على الرغم من خجله ..
-" ماما .. ماما .. ممكن نروح نزور طنط ثناء لما بنتها شذى تخلث امتحانات ؟ .. أثلي ملحقتش أقعد معاها النهاردة خاااالث .."
7.سؤالي أبدي لطالما أرقني .. ما الممتع في الوقوف على باب وسائل المواصلات لدرجة تجعل البعض يتصارعون ؟ .. ظاهرة غريبة ظهرت في المواطنين من سن التاسعة حتى التاسعة عشر و ربما أكثر .. أتفهم ذلك حقاً عندما تكون العربة ممتلئة لآخرها فعندها لا يملك المرء خياراً آخر .. لكن في أي ظروف أخرى يكون ذلك مجرد مشهد همجي يثير الغيظ .. لماذا صنعت الأبواب إلا لأن تغلق ؟
* * *
للكاتب / مصطفى فتحى محمد