لا أدري كيف يمكنني أن أبدأ قصة كهذه .. لطالما أردت أن أحكيها و أنا حي .. لكن ما باليد حيلة .. هل أبدأ الحكاية منذ طفولتي حتى آخر ثواني حياتي و أسردها كقصة سخيفة ؟ أم أقفز مباشرة إلى الجزء الهام من القصة .. لا أدري .. سأبدأ في الكلام بغض النظر عن الترتيب .. سأقول ما يأتي على ذهني .... ياللهول لقد كانت قصة مروعة فعلا .. سأستجمع أنفاسي و أتكلم .. اسمعوني جيدا من فضلكم .
سأحكي لكم في البداية عن رجل اسمه تشارلز لوسيانو أو كما يدعونه لوسيانو المحظوظ .. أحد العبقريات الإجرامية التي كافحت الشرطة طويلا حتى تظفر به في سجون نيويورك .. كان هذا الرجل هو الأب الروحي للمافيا الأمريكية كلها .. وكلمة عبقرية إجرامية لو تجسدت شخصا لكونت هذا الرجل دون غيره من الرجال .
إن اسم لوسيانو المحظوظ جاء من حادثة مشهورة حدثت له في شبابه .. حيث أمسك به ثلاثة من الرجال و ألقوه داخل سيارة ليموزين تمهيدا لإطلاق النار عليه .. و أطلقوا النار عليه فعلا .. و كان مع أحدهم خنجر ضربه به في وجهه .. ورغم كل هذا فقد نجا لوسيانو ولم يمت .. لكن ضربة الخنجر في وجهه لازالت باقية إلى يومنا هذا ... من هنا جاء اسم لوسيانو المحظوظ .
هذا الرجل هو صاحب فكرة إجرامية رهيبة تم تطبيقها فعليا منذ عام 1950 .. فكرة زادت بها أرباح المافيا المهولة أضعافا مضاعفة .. عمل إجرامي تخصصت فيه المافيا الأمريكية دون غيرها ... وتخصص فيه الزعيم لوسيانو دون غيره .. وبالمناسبة ، الناس لا يعلمون شيئا عن هذا العمل الإجرامي حتى يومنا هذا .. وربما يظلون هكذا حتى نهاية الدنيا .
إن المافيا كما يعلم الكل أو لا يعلم الكل تدخل في كل شيء بلا استثناء .. منظمة جبارة غاية في التنظيم .. تشارك في أعمال القمار في الكازينوهات تجارة المخدرات بكل أنواعها .. تجارة الأسلحة ... و أخيرا وليس بآخر ... طبخ اللحوم البشرية .
نعم اللحوم البشرية .. وهي الفكرة الإجرامية الجديدة التي تبناها الزعيم تشارلز لوسيانو و نفذها و نجحت نجاحا هائلا ... نجاح لم يمكنه هو نفسه أن يتخيله ... ترى كيف يمكن شرح هذه الفكرة بالضبط ؟ دعوني أشرحها كما فكرت فيها عقلية لوسيانو الإجرامية بالضبط .
إن العجل مثلا يحتوي على حوالي مائة إلى مائة و خمسين كيلوجرام من اللحم .. الجاموس و البقر أيضا كذلك .. الأغنام ربما خمسين كيلوجرام أو أقل ... لكن .. إن شراء هذه الحيوانات يكلف مالا . .. تربيتها تكلف مالا .. علفها يكلف مالا .. مالا رهيبا .. بينما هناك كائن آخر لا يكلفك شيئا و ينتج من اللحم ما يزيد قليلا عن خمسين كيلوجرام .. ليس هذا فقط بل و له طعم شهي يختلف تماما عن باقي اللحوم .. نعم أنا أتحدث عن الإنسان .
لوسيانو المحظوظ كان يفكر بطريقة مختلفة نوعا ما .. إن معدل القتلى الذين يقتلون شهريا ضحية أعمال المافيا الإجرامية في ولاية واحدة من ولايات أمريكا يتراوح بين مائة إلى مائتي شخص .. عادة المافيا لا تكون لديها مشكلة إخفاء جثث القتلى .. المافيا في الدول الأخرى تترك الجثث و ترحل و تتكلف أموالا زائدة في رشوة الشرطة و القضاة و المحققين .. أما لوسيانو فكان يأخذ الجثث ... ويحولها إلى أموال .. أقصد إلى لحوم .
من أنا ؟ أنا طبيب أمريكي أدعى جوزيف لستر .. متخصص في أمراض الدم .. و أنا أعمل تحت إمرة المافيا .. تحت إمرة لوسيانو المحظوظ .. أين أعمل ؟ يمكنك أن تقول أنني أعمل في مذبح ... مذبح متطور مخفى بمهارة شديدة في قلب نيويورك ... مذبح من المذابح التي جعلت أفكار الزعيم لوسيانو تتحول إلى حقيقة واقعة .. مذبح للحوم البشرية .
هذا المذبح موجود بداخل نادي كبير تديره المافيا ..وهو عبارة عن مبنى في منتصف النادي .. مبنى يبدو عاديا .. لكن لا يدخله إلا المصرح لهم .. عادة لا يعرف أحد من هم المصرح لهم .. أو ماهو هذا المبنى بالضبط .. هذا المبنى هو مقر عملي .
كل صباح تأتي إليً مجموعة من الجثث الموضوعة في أكياس سوداء ...ويكون عليً أنا و مجموعة من الأطباء و مختصي التحاليل أن نفحص الجثث جيدا ونأخذ كل التحاليل اللازمة للتأكد أن الجثة يمكنها الدخول إلى المذبح .. فلو كان الميت مريضا بمرض ما تعتبر الجثة مرفوضة .. ولو كان سليما يتم نقل جثته إلى الخطوة الثانية و الأكثر أهمية في هذه العملية كلها وهي طبعا .. المسلخة .
في المسلخة طبعا حيث يتم سلخ الجلد بطريقة احترافية وباستخدام أحدث الطرق ... ثم إلى المشرحة حيث يتم تشريح الجثث و نفخها و رمي الأحشاء تماما مثل أي حيوان وبعدها إلى مكائن تقطيع اللحم و ترتيبه ثم في النهاية إلى الثلاجات الكبيرة .. كل هذه الخطوات لا علاقة لي بها بالطبع .. أنا موجود فقط في الخطوة الأولى .. أنا أسمع في بالك سؤالين ... كيف تتم الاستفادة من اللحوم المنتجة و لماذا لم يسمع أحد بعد عن هذا النشاط الإجرامي المروع بعد .. سأؤجل إجابة السؤال الأول قليلا وسأجيب عن الثاني .
أولا يجب أن أخبرك أن كل العاملين في هذا المذبح أو أي مذبح مماثل في أي ولاية أمريكية يأخذ راتبا يزيد عن أعلى حد يمكن أن تتخيله لراتب شخص على ظهر هذا الكوكب .. وبالتالي لا يفكر أحد في الخيانة .. ثانيا العاملين يتم اختيارهم بحرص شديد و دراسة متأنية جدا .. ويكونون مراقبين ومهددين هم وعائلاتهم لو فكروا مجرد تفكير في إفشاء السر .
إن اللحوم البشرية هي بلا منازع أطيب و أطعم أنواع اللحوم كلها .. حتى أنها أكثر حلاوة من اللحوم البحرية للأسماك و غيرها .. لكن كيف كانت فكرة لوسيانو للاستفادة من تلك اللحوم ؟ في بداية المشروع كانت كل اللحوم تذهب للمطاعم الراقية التي تديرها المافيا في أمريكا .. ثم تطور الأمر ليصل إلى الفنادق الراقية .. نعم إلى الفنادق .. بالطبع لا يعلم أي من هذه الجهات أنه يحصل على لحوم بشرية .. هم يشترونها من أشهر أسماء مزارع العجول و الأغنام في أمريكا .. وهذه وكما لا يعلم البعض .. تسيطر عليها المافيا أيضا .
أرباب هذه المزارع أنفسهم لا يشكون في تلك الأكياس المحتوية على لحوم حمراء و مكتوب عليها عبارة خاص ... باختصار أقول الكل يتم خداعه واستغفاله .. لأنه ليس هناك أحد يمكنه أن يشك لحظة أن لحوم البشر يمكن أن يفعل بها هذا .... لم يكتف لوسيانو بهذا الحد .. لقد كان ينظر لأهداف أبعد من هذا بكثير ... و لقد تحقق له ما أراد كما أراد بل و زيادة .