إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته إلى الله بنفسه وبماله
: أولا : إسلامه
=========
عندما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يدعو الأفراد إلى الله فوقع أول اختياره على الصديق رضي الله عنه ، فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه ، وكريم سجاياه ، كما يعرف أبو بكر النبي بصدقه وأمانته ، وأخلاقه التي تمنعه من الكذب على الناس فكيف يكذب على الله ؟
فعندما فاتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الله وقال له: (... إني رسول الله ونبيه ، بعثني إلى الله وحده لاشريك له، ولاتعبد غيره ، والموالاة على طاعته ...) فأسلم الصديق ولم يتلعثم وتقدم ولم يتأخر ، وعاهد رسول الله على نصرته فقام بما تعهد ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟
وبذلك كان الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال الأحرار.
لقد كان ابوبكر كنزاً من الكنوز ادخره الله تعالى لنبيه وكان من أحب قريش لقريش ، فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الموطئين أكنافًا ، من الذين يألفون ويؤلفون ، والخلق السمح وحده عنصر كافٍ لإلفة القوم وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.
****************************************
: ثانياً : دعوته
=========
أسلم الصديق رضي الله عنه وحمل الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاسلام دين العمل والدعوة والجهاد ، وأن الايمان لا يكمل حتى يهب المسلم نفسه وما يملك لله رب العالمين.
قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) - (الأنعام: 162-163)ا
وقد كان الصديق كثير الحركة للدعوة الجديدة ، وكثير البركة أينما تحرك أثر وحقق مكاسب عظيمة للإسلام ، وقد كان نموذجاً حياً في تطبيقه لقول الله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) - (النحل: 125)ا
كانت أول ثمار الصديق الدعوية دخول صفوة من خيرة الخلق في الاسلام وهم: الزبير بن العوام ، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وعثمان بن مضعون ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعبدالرحمن بن عوف ، وأبوسلمة بن عبدالأسد ، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم ، وجاء بهؤلاء الصحابة الكرام فُرادى فأسلموا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة ، وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله وبهم أعزه الله و أيده وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، رجالاً ونساءً ، وكان كل من هؤلاء الطلائع داعية الى الاسلام ، وأقبل معهم رعيل السابقين ، الواحد والإثنان ، والجماعة القليلة ، فكانوا على قلة عددهم كتيبة الدعوة ، وحصن الرسالة لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق في تاريخ الإسلام.
وإهتم الصديق بأسرته فأسلمت أسماء وعائشة وعبد الله وزوجته أم رومان وخادمه عامر بن فهيرة ، لقد كانت الصفات الحميدة والخلال العظيمة والأخلاق الكريمة التي تجسدت في شخصية الصديق عاملاً مؤثراً في الناس عند دعوتهم للإسلام ، فقد كان رصيده الخلقي ضخماً في قومه وكبيراً في عشيرته ، فقد كان رجلاً مؤلفاً لقومه ، محبباً لهم ، سهلاً ، أنسب قريش لقريش بل كان فرد زمانه في هذا الفن ، وكان رئيساً مكرماً سخياً يبذل المال ، وكانت له بمكة ضيافات لايفعلها أحد ، وكان رجلاً بليغاً