المعركة الفاصلة]
===========
ولما توجه الجيشان قال مسيلمة لأتباعه وقومه قبيل المعركة الفاصلة: اليوم يوم الغيرة ، اليوم إن هزمتم تستنكح النساء سبيّات ، وينكحن غير حظيات ، فقاتلوا على أحسابكم ، وامنعوا نساءكم.
وتقدم خالد بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يشرف على اليمامة ، فضرب به عسكره ، واصطدم المسلمون والكفار ، فكانت جولة وانهزمت الأعراب ، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وهموا بقتل أم تميم ، حتى أجارها مجّاعة وقال: نعمت الحرة هذه ، وقد قتل الرّجّال بن عنفوة لعنه الله في هذه الجولة قتله زيد بن الخطاب.
وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة ، بطل السحر اليوم ، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه ، وهو حامل لواء الأنصار بعدما تحنط وتكفن، فلم يزل ثابتاً حتى قتل هناك.
وقال زيد بن الخطاب (وهو أخو عمر بن الخطاب لأبيه) : أيها الناس عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم ، وامضوا قدما ، وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو القى الله فأكلمه بحجتي ، فقتل شهيداً.
وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن زينِّوا القرآن بالفعال ، وحمل فيهم حتى أبعدهم وأصيب.
وتقدم خالد بن الوليد حتى جاوزهم ، وسار لقتال مسيلمة ، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ، ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا إلى المبارزة وقال: انا ابن الوليد العود ، أنا ابن عامر وزيد ، ثم نادى بشعار المسلمين-وكان شعارهم يومئذ يامحمداه- وجعل لايبرز له أحد إلا قتله ، ولايدنو منه شيء إلا أكله وقد ميز خالد المهاجرين ، من الأنصار ، من الأعراب ، وكل بني أب على رايتهم ، يقاتلون تحتها ، حتى يعرف الناس من أين يؤتون.
وصبر الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله ، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم ، وولّى الكفار الأدبار ، واتبعوهم يقتلون في أقفائهم ، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاءوا ، حتى ألجأوهم إلى حديقة الموت.
وقد أشار عليهم مُحَكَّم اليمامة وهو محَكّم بن الطفيل لعنه الله بدخولها ، فدخلوها وفيها عدو الله مسيلمة لعنه الله ، وأدرك عبدالرحمن بن أبي بكر ، محكَّم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله ، وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم ، وأحاط بهم الصحابة.
قال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة ، فاحتملوه فوق الجحف ، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم ، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه ، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء ، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى ، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية ، وأن الحق جاء ، فزهق باطلهم.
******************************************************
[مصرع مسيلمة الكذاب]
===============
وخلص المسلمون إلى مسيلمة لعنه الله ، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ، وهو يريد يتساند، لايعقل من الغيظ ، وكان اذا اعتراه شيطانه أزبد حتى يخرج الزبد من شدقيه، فتقدم إليه ((وحشي بن حرب)) مولى جبير ابن مطعم -قاتل حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه يوم أحد وذلك قبل دخول وحشي فى الإسلام- فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر ، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، فضربه بالسيف فسقط ، فنادت امرأة من القصر: وأمير الوضاءة ، قتله العبد الأسود.
فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريباً من عشرة آلاف مقاتل ، وقيل: أحد وعشرون ألفاً ، وقتل من المسلمين ستمائة ، وقيل خمسمائة ، فالله أعلم ، وفيهم من سادات الصحابة.
وخرج خالد وتبعه مجاعة ابن مرارة يرسف في قيوده ، فجعل يريه القتلى ليعرفه بمسيلمة ، فلما مروا بالرّجال بن عنفوة قال له خالد: أهذا هو؟ قال لا ، والله هذا خير منه ، هذا الرَّجال بن عنفوة.
ثم مروا برجل أصفر أخنس ، فقال: هذا صاحبكم ، فقال خالد: قبحكم الله على اتباعكم هذا.
قتل الكذاب فى العام الثالث والعشرين من الهجرة النبوية .. بعد وفاة سيد الخلق باثنتى عشر عاما.
******************************************************
: مما ترتب على معركة اليمامة
###################
[كتابة القرآن وجمعه فى المصحف]
=====================
انتهت معركة اليمامة وقتل الكذاب مسيلمة فيها.
كذلك قتل فها الكثير من الصحابة وحفظ القرآن وقد نتج عن ذلك أن قام أبو بكر رضى الله عنه بمشورة عمر بن الخطاب بجمع القرآن حيث جمع من الرقاع والعظام والسعف ومن صدور الرجال.
وأسند الصديق هذا العمل العظيم المشروع الحضاري الضخم إلى الصحابي الجليل زيد بن ثابت الأنصاري رضى الله عنه.
: يروي زيد بن ثابت فيقول
بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده.
قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن ، كلها فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!ا
فقال عمر: هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: وإنك رجل شاب عاقل ، لانتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه.
قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ماكان بأثقل عليّ مما كلفني به من جمع القرآن، فتتبعت القرآن من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال ، والرقاع ، والأكتاف.
قال: حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع أحد غيره ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} - (سورة التوبة ، آية:128) حتى خاتمة براءة.
وكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم.
:وعلق البغوي على هذا الحديث فقال
فيه البيان الواضح أن الصحابة -رضي الله عنهم- جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير أن يزادوا فيه أو ينقصوا منه شيئاً والذي حملهم على جمعه ماجاء في الحديث وهو أنه كان مفرقاً في العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال ، فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته ، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله ، ودعوه إلى جمعه ، فرأى في ذلك رأيهم فأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم ، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله من غير أن قدموا شيئاً أو أخروا ، أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلقى أصحابه ، ويعلمهم ماينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل صلوات الله عليه إياه على ذلك ، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السور التي يذكر فيها كذا ، وهكذا يتضح للقارئ الكريم أن من أوليات أبي بكر الصديق: أنه أول مَنْ جمع القرآن الكريم.
وقال علي بن أبي طالب: يرحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين.
******************************************************
صحيح مسلم
باب الرؤيا - رؤيا الرسول
: عن ابن عباس قال
قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول: (إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته) ، فقدمها في بشر كثير من قومه ، فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة حتى وقف على مسيلمة في أصحابه ، قال: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيك ما أريت وهذا ثابت يجيبك عني) ثم انصرف عنه.
فقال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنك أرى الذي أريت فيك ما أريت) ، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ا((بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي ، فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء والآخر مسيلمة صاحب اليمامة))ا
قوله : ( أن مسيلمة الكذاب ورد المدينة في عدد كثير , فجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم )ا
قال العلماء : إنما جاءه تألفا له ولقومه رجاء إسلامهم , وليبلغ ما أنزل إليه . قال القاضي : ويحتمل أن سبب مجيئه إليه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه , فجاءه مكافأة له . قال : وكان مسيلمة إذ ذاك يظهر الإسلام , وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك . قال : وقد جاء في حديث آخر أنه هو أتى النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنهما مرتان .
قوله صلى الله عليه وسلم لمسيلمة : ( ولن أتعدى أمر الله فيك )ا
فهكذا وقع في جميع نسخ مسلم .
ووقع في البخاري ( ولن تعدو أمر الله فيك ) قال القاضي : هما صحيحان . فمعنى الأول لن أعدو أنا أمر الله فيك من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة , ومن أني أبلغ ما أنزل إلي , وأدفع أمرك بالتي هي أحسن . ومعنى الثاني ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة , وهلاكك دون ذلك , أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك . والله أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولئن أدبرت ليعقرنك الله )ا
أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله . والعقر القتل . وعقروا الناقة قتلوها . وقتله الله تعالى يوم اليمامة . وهذا من معجزات النبوة.
قوله صلى الله عليه وسلم : ( وهذا ثابت يجيبك عني )ا
قال العلماء كان ثابت بن قيس خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم.
قوله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت في يدي سوارين )ا
وفي الرواية الأخرى : ( فوضع في يدي أسوارين ) قال أهل اللغة : يقال : ( سوار ) بكسر السين وضمها , و ( أسوار ) بضم الهمز , ثلاث لغات . ووقع في جميع النسخ في الرواية الثانية ( أسوارين ) فيكون وضع بفتح الواو والضاد , وفيه ضمير الفاعل , أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي أسوارين , فهذا هو الصواب . وضبطه بعضهم ( فوضع ) بضم الواو , وهو ضعيف لنصب أسوارين , وإن كان يتخرج على وجه ضعيف . وقوله : ( يدي ) هو بتشديد الياء على التثنية .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأوحي إلي أن انفخهما )ا
هو بالخاء المعجمة ، ونفخه صلى الله عليه وسلم إياهما فطارا دليل لانمحاقهما واضمحلال أمرهما , وكان كذلك , وهو من المعجزات.
قوله صلى الله عليه وسلما : ( فأولتهما كذابين يخرجان بعدي , فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء , والآخر مسيلمة صاحب اليمامة )ا
قال العلماء : المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " يخرجان بعدي " أي يظهران شوكتهما أو محاربتهما ودعواهما النبوة , وإلا فقد كانا في زمنه.
******************************************************
كان ادعاء مسيلمة النبوة سنة 10 هجرية ، وقتل في حرب اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ربيع الأول سنة 21هـجرية ، قتله (وَحْشِي) قاتل حمزة.
تلك هى قصة الكذاب لعنه الله ... والله أعلى وأعلم