موافقات عمر للقرآن الكريم
================
عرف الفاروق من خلال القرآن الكريم من هو الإله الذي يجب أن يعبده ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغرس في نفسه معاني تلك الآيات العظيمة فقد حرص صلى الله عليه وسلم أن يربي أصحابه على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم ، مدركاً أن هذا التصور سيورث التصديق واليقين عندما تصفى النفوس وتستقيم الفطرة ، فأصبحت نظرة الفاروق إلى الله ، والكون والحياة والموت ، والجنة والنار ، والقضاء والقدر ، وحقيقة الإنسان ، وصراعه مع الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدي النبي.
كان عمر من أكثر الصحابة شجاعة وجرأة ، فكثيراً ما كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن التصرفات التي لم يدرك حكمها ، كما كان رضي الله عنه يبدي رأيه واجتهاده بكل صدق ووضوح ومن شدة فهمه واستيعابه لمقاصد القرآن الكريم نزل القرآن الكريم موافقاً لرأيه رضي الله عنه في بعض المواقف.
قال عمر رضي الله عنه: وافقت الله تعالى في ثلاث ، أو وافقت ربي في ثلاث ، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مُصلّى ، فأنزل الله تعالى ذلك ، وقلت: يا رسول الله ، يدخل عليك البرُّ والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله تعالى آية الحجاب ، قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه ، فدخلت عليهن ، قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيراً منكن ، حتى أتيت إحدى نسائه ، قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه ، حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله: ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) [التحريم:5]ا
* * * * * * * * * *
ومن موافقته في ترك الصلاة على المنافقين
------------------------------------------
قال عمر: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول "كبير المنافقين في المدينة" دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله: أعلى عدوّ الله عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا: كذا وكذا ، والقائل يوم كذا: كذا وكذا ، أعدد أيامه الخبيثة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت عليه ، قال: أخر عني يا عمر ، إني خيّرت فاخترت: قد قيل لي: ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [التوبة:80] ، فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له زدت.
ثم صلى عليه ومشى معه على قبره حتى فرغ منه ، فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله ، والله ورسوله أعلم ، فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان: ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) [التوبة:84]ا
فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل.
* * * * * * * * * *
موافقته في أسرى بدر
----------------------
قال عمر رضي الله عنه: لما كان يوم بدر وهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون وأسر سبعون ، استشار رسول الله أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ، فقال لي: ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقلت: أرى أن تمكنني من فلان – قريب لعمر – فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عقيل (عقيل بن أبي طالب الهاشمي أسلم يوم الفتح وتوفي في أول خلافة يزيد) ، فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم ، وقادتهم.
فلم يهوَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت ، فأخذ منهم الفداء.
فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر ، وهما يبكيان ، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: للذي عَرَضَ عليَّ أصحابك: (( من الفداء، لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة )) - لشجرة قريبة - فأنزل الله تعالى: ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ) إلى قوله ( عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [الأنفال:68] ، فلما كان من العام المقبل قتل منهم سبعون ، وفر أصحاب رسول الله وكُسِرَت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه (الخوذة على رأسه) ، وسال الدم على وجهه ، وأنزل الله تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) بأخذكم الفداء ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [آل عمران:165]ا
* * * * * * * * * *
موافقته في الاستئذان
---------------------
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار إلى عمر بن الخطاب. وقت الظهيرة ليدعوَه ، فدخل عليه وكان نائماً وقد انكشف بعض جسده ، فقال: اللهم حرّم الدخول علينا في وقت نومنا ، وفي رواية قال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان ، فنزلت : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ) [النور:58]ا
* * * * * * * * * *
عمر ودعاؤه في تحريم الخمر
-----------------------------
لما نزل قول الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) [البقرة:219]ا
قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) [النساء:43]ا
فكان منادي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً.
فنزلت الآية في سورة المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) [المائدة:91]ا
قال عمر: انتهينا ، انتهينا.
وهكذا خضع تحريم الخمر لسنة التدريج وفي قوله( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) فهم عمر من الاستفهام الاستنكاري بأن المراد به التحريم ، لأن هذا الاستفهام أقوى وأقطع في التحريم من النهي العادي ، ففي ألفاظ الآية وتركيبها وصياغتها تهديد رهيب واضح كالشمس في التحريم.