أقوال الصحابة والتابعين والعلماء المعاصرين عن الفاروق
هذا ابن عباس رضي الله عنه يصف لنا اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق حيث يقول: دخلت على عمر حين طُعنْ ، فقلت: أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين ، أسلمت حين كفر الناس ، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ ، ولم يختلف في خلافتك اثنان ، وقُتلت شهيداً.
فقال عمر: أعد عليَّ ، فأعدت عليه ، فقال: والله الذي لا إله إلا هو ، لو أن لي ما في الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع.
وجاء في رواية البخاري، أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإن ذلك من الله جل ذكره منَّ به علي ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك ، والله لو أن لي طِلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه.
لقد كان عمر رضي الله عنه يخاف هذا الخوف العظيم من عذاب الله تعالى مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ، ومع ما كان يبذل من جهد كبير في إقامة حكم الله والعدل والزهد والجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة ، وإن في هذا لدرساً بليغاً للمسلمين عامة في تذكر عذاب الله الشديد وأهوال يوم القيامة.
* * * * * * * * * *
وهذا عثمان رضي الله عنه يحدثنا عن اللحظات الأخيرة في حياة الفاروق فيقول: أنا آخركم عهداً بعمر ، دخلت عليه ، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر. فقال له: ضع خدي بالأرض ، قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال: ضع خدي بالأرض لا أم لك ، في الثانية أو في الثالثة ، ثم شبك بين رجليه ، فسمعته يقول: ويلي ، وويل أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت (خرجت) روحه.
فهذا مثل مما كان يتصف به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من خشية الله تعالى ، حتى كان آخر كلامه الدعاء على نفسه بالويل إن لم يغفر الله جل وعلا له ، مع أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ولكن من كان بالله أعرف كان من الله أخوف ، وإصراره على أن يضع ابنه خده على الأرض من باب إذلال النفس في سبيل تعظيم الله عز وجل ، ليكون ذلك أقرب لاستجابة دعائه ، وهذه صورة تبين لنا قوة حضور قلبه مع الله جل وعلا.
* * * * * * * * * *
تاريخ موته ومبلغ سنه
=============
قال الذهبي: استشهد يوم الأربعاء لأربع أو ثلاث بقين من ذي الحجة ، سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح.
وكانت خلافته عشر سنين ونصفاً وأياماً.
وجاء في تاريخ أبي زرعة عن جرير البجلي قال: كنت عند معاوية فقال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين ، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين وقتل عمر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين.
* * * * * * * * * *
في غسله والصلاة عليه ودفنه
=================
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه غسل وكُفِّن ، وصلي عليه ، وكان شهيداً.
وقد اختلف العلماء فيمن قتل مظلوماً هل هو كالشهيد لا يغسل أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه يغسل ، وهذا حجة لأصحاب هذا القول.
والثاني: لا يغسل ولا يصلى عليه.
والجواب عن قصة عمر أن عمر عاش بعد أن ضرب وأقام مدة ، والشهيد حتى شهيد المعركة لو عاش بعد أن ضرب حتى أكل وشرب أو طال مقامه فإنه يغسل ، ويصلى عليه ، وعمر طال مقامه حتى شرب الماء ، وما أعطاه الطبيب ، فلهذا غسل وصلي عليه رضي الله عنه.
* * * * * * * * * *
من صلى عليه ؟
==========
قال الذهبي: صلى عليه صهيب بن سنان.
وقال ابن سعد: سأل علي بن الحسين سعيد بن المسيب: من صلى على عمر؟ قال: صهيب ، قال كم كبر عليه؟ قال: أربعاً ، قال: أين صُلي عليه؟ قال: بين القبر والمنبر ، وقال ابن المسيب: نظر المسلمون فإذا صهيب يصلي لهم المكتوبات بأمر عمر رضي الله عنه فقدموه ، فصلى على عمر ، ولم يقدم عمر رضي الله عنه أحداً من الستة المرشحين للخلافة حتى لا يظن تقديمه للصلاة ترشيحاً له من عمر ، كما أن صهيباً كانت له مكانته الكبيرة عند عمر والصحابة رضي الله عنهم ، وقد قال في حقه الفاروق: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه.
* * * * * * * * * *
في دفنه رضي الله عنه
=============
قال الذهبي: دفن في الحجرة النبوية.
وذكر ابن الجوزي عن جابر قال: نزل في قبر عمر عثمان وسعيد بن زيد وصهيب وعبد الله بن عمر.
وعن هشام بن عروة قال: لما سقط عنهم –يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما- في زمن الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه ، فبدت لهم قدمٌ ، ففزعوا ، وظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجدوا أحداً يعلم ذلك ، حتى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا قدم عمر رضي الله عنه
وقد مرّ معنا: أن عمر أرسل إلى عائشة رضي الله عنهما: ائذني لي أن أُدفن مع صاحبي ، فقالت: (أي والله)
وقال هشام بن عروة بن الزبير: وكان الرجل إذا أرسل إليها -أي عائشة- من الصحابة قالت: لا والله لا أؤثرهم بأحد أبداً.
ولا خلاف بين أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما في هذا المكان من المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.
* * * * * * * * * *
ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الفاروق
==============================
قال ابن عباس: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم يَرُعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
* * * * * * * * * *
أثر مقتله على المسلمين
=============
كان هول الفاجعة عظيماً على المسلمين ، فلم تكن الحادثة بعد مرض ألمَّ بعمر ، كما كان يزيد من هولها في المسجد وعمر يؤم الناس لصلاة الصبح ، ومعرفة حال المسلمين بعد وقوع الحدث يطلعنا على أثر الحادث في نفوسهم.
يقول عمرو بن ميمون: .. وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ.
ويذهب ابن عباس ليستطلع الخبر بعد مقتل عمر ليقول له: إنه ما مرّ بملأ إلا وهم يبكون وكأنهم فقدوا أبكار أولادهم.
لقد كان عمر رضي الله عنه معلماً من معالم الهدى ، وفارقاً بين الحق والباطل فكان من الطبيعي أن يتأثر الناس لفقده.
وهذا الأثر يوضح شدة تأثر الناس عليه ، فعن الأحنف بن قيس: قال… فلما طعن عمر أمر صهيباً أن يصلي بالناس ، ويطعمهم ثلاثة أيام حتى يجتمعوا على رجل ، فلما وضعت الموائد كف الناس عن الطعام ، فقال العباس: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ، فأكلنا بعده وشربنا ، ومات أبو بكر رضي الله عنه فأكلنا ، وإنه لا بد للناس من الأكل والشرب ، فمد يده فأكل الناس.
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما يذكر له عمر يبكي حتى تبتل الحصى من دموعه ثم يقول: إن عمر كان حصناً للإسلام يدخلون فيه ولا يخرجون منه ، فلما مات انثلم الحصن فالناس يخرجون من الإسلام.
وأما أبو عبيدة بن الجراح فقد كان يقول قبل أن يقتل عمر: إن مات عمر رق الإسلام ، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأن أبقى بعد عمر ، فقيل له: لم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم ، وأما هو فإن ولي وال بعد فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك ولم يحملوه ، وإن ضعف عنهم قتلوه.