ليس جميع الناس يعرف كل استخدامات وفوائد فانوس رمضان...الأطفال يعرفون أنه وسيلة للتسلية واللعب وأظن أن معهم كل الحق في ذلك...الشباب يعرفون أنه طقس هام للإحساس بأجواء شهر رمضان الكريم ونفحاته..وأظن أيضا أن معهم كل الحق في ذلك...وكبار السن يعرفون أنه رمز عتيق من التراث الإسلامي وذكرى محببة إلى نفوسهم من أيام الطفولة والشباب الزائلتين..وأظن أيضا أن معهم كل الحق في ذلك...وأصحاب العقول الواهية يعرفون أيضا أنه رمز لتحقيق الأمنيات وظهور العفريت المخلص في أوقات المحن..وأظن أيضا أن معهم كل الحق في ذلك...وأبي يعرف له استخداما نادرا إذ تشاجر مع عمي ذات يوم في بيتنا إثر مشادة على حق أبي في الميراث فحمل أبي ذلك الفانوس الكبير الذي كان يستعد لتعليقه في شارعنا الحبيب ثم هوى به على رأس عمي عدة مرات وبعد ساعتين دخلت على أبي فجأة الحمام وقد علا صوت أنفاسه المتهدجة المتعبة وصوت تكسر كصوت تكسير عظام صلبة يتردد فوجدته يجاهد في تقطيع جسد عمي لقطع صغيرة ليحشرها داخل الفانوس الكبير...هو استخدام نادر نعم..ولكني أظن أيضا أن أبي كان معه كل الحق في ذلك
آه من هذا الجوع المضني..
منذ أكثر من يوم كامل لم يدخل أي طعام إلى جوفي..
قواي أنهكت وأنا أبحث في هذا البيت الخرب لعلي أجد شيئا ما أسد به رمقي ..ولكن عادت علي كل محاولاتي بالتعب وخيبة الأمل...
جلست أستريح قليلا وألتقط أنفاسي..ثم فجأة اتسعت عيناي عن آخرهما..
هل هذه حقيقة أم خيالات توهمها فكري الشبق المكدود...عيناي تريان مشهدا لا تصدقه بقايا ما يحوي رأسي من عقل..
فانوس ضخم للغاية وله باب كبير كباب حجرتي وبداخله قطعة جبن عظيمة كالهرم...ركضت في فرحة لا توصف ...
هرم جبني..
جبن هرمي..
يالسعادتي وهنائي..عبرت باب الفانوس بأقصى سرعتي وقفزت على ذلك الهرم الجبني الشهي..
وما إن لامست يداي قطعة الجبن..
حتى رأيت الدماء تتفجر من جسدي..
وبدأت الدنيا تظلم أمام عيني..
يالغبائي..
لقد أنساني جوعي الشديد أبسط مبادئ وأعراف عالمنا..
الحذر..
وها أنا ذا أحكي لكم قصتي وأنا في الرمق الأخير ينتفض جسدي مودعا روحي البريئة المغادرة..لقد وقعت في المصيدة
من مذكرات فأر
يجب أن تحضر الفانوس
قالتها تلك المرأة الشمطاء التي أكرهها كثيرا وإن كان أملي الأخير معقودا في يديهاا
قلت في حيرة وضيق: ((ألا يمكن أن أحضر أي شيء آخر من متعلقاتها بدلا من ذلك الفانوس الذي تحبه كثيرا ولا تكاد تفارقه لحظة))..ا
قالت: ((لا بالطبع..إن العمل السحري المكتوب بدم الوعل الجليدي مدفون في أحشاء هذا الفانوس...ويجب أن أستخرجه وأبطله))..ا
وعل جليدي؟؟؟ وليكن
فكرت قليلا...ما باليد حيلة..إنني أهيم حبا بزوجتي وأذوب عشقا في هواها..احبها ولا أكاد أتصور الحياة من دونها..ولكنها تغيرت كثيرا..منذ أهدتها خالتها القميئة ذلك الفانوس في رمضان الماضي وهي لا تكاد تطيقني..وأحسبها تكرهني كذلك..كم من مرة صرخت في وجهي بأنها تريد الطلاق وكنت أنا أتذلل لها طالبا الصفح والعفو..
وهكذا ترونني خارجا من بيت هذه الساحرة الشمطاء التي دلني عليها أهل الخبرة المحنكون باعتبارها علما من أعلام السحر وأباطرته
أخذت أحيك الخطط والمؤامرات طوال طريق العودة لكي أستطيع أن أستعير فانوس زوجتي لتلك الساعات المعدودة...
وها أنذا في اليوم التالي أحمل ذلك الفانوس المقيت قاصدا شقة الساحرة اللعينة بعدما دسست قرصين منومين لزوجتي في الشاي لتغيب في سبات عميق
ولما رأت الساحرة الفانوس في يدي لمعت عيناها دلالة الاستحسان..وأخذت مني الفانوس في صمت تتفحصه..ثم وضعته أمامها..وأشارت إلي أن اقترب
وأخرجت من جيبها خنجرا غريب الشكل
قالت: (( نحتاج إلى قطرات من دمك لكي نستطيع فك السحر المعقود))
رفضت بالطبع..وأصررت على رفضي القاطع..ثم أذعنت وقبلت بالطبع لما أكدت لي أن بطلان السحر يعتمد كلية على تلك القطرات القليلة..
جرحتني في كف يدي وصوبت قطرات الدم المنسابة تجاه رأس الفانوس
وأخرجت شمعة سوداء مخيفة وأشعلتها لتضعها في قلب الفانوس
ثم أغمضت عينيها وبدأت ترتل طلاسمها العجيبة
وأغمضت عيني محاولا لم شتات أعصابي المتناثرة
وفجأة أحسست بسخونة شديدة في رأسي..فتحت عيناي مذعورا فقط ليسقط قلبي في قدمي من هول المفاجأة..أين أنا؟؟ السخونة تزداد بشدة
ثم أدركت الأمر...وصرخت صرخة زلزلت الأرض من تحتي...أنا داخل الفانوس..ورأسي تشتعل
وهنا سمعت صوت الساحرة اللعينة الحمقاء تقول: (( أووووووووووووه..أعذرني يا بني..إنها تخاريف الشيخوخة..لقد اختلط الأمر علي وقلت تعويذة الإحلال بدلا من تعويذة الفك..لقد تم احلالك مكان الشمعة السوداء في الفانوس ولسوف تموت محترقا ذائبا..ياللخسارة..أرجو أن تسامحني وتعذر شيخوختي))
وهنا فقط أيقنت أن كل من قال قال قبلي: أنا شمعة تحترق من أجل الآخرين..كان كاذبا أفاقا
الوداع