مراجعة في كتاب الفصام الديني والوطني د.نضال عبد القادر الصالح
صدر هذا الكتاب عام 2003 بعنوان (داء الفصام بين الديني والوطني- الاسرائليات في التفسير القرآني على ضوء تاريخية التوراة) ويقع الكتاب في 165 صفحة، بحث فيه المؤلف عن الأصول للدين اليهودي أو بالأحرى الأصول لنبيهم موسى. وهنا يقول بأن موسى اليهود هو غير موسى المسلمين لوجود إختلافات في الاوصاف سواء التوراتي أو في القرآن الكريم.
أصدر الكاتب عدة مؤلفات تصب كلها في خانة القضية الفلسطينة. والكتاب ماقبل الأخير لاقى رواجا في أوساط الجمهورية التشيكية لأنه كتب بتلك اللغة, فحاول اليهود هناك محاكمته في قضية معاداة السامية لما غاص البحث في تاريخ الديانة اليهودية وجغرافيتها. أما ردود الفعل الأخرى التي انساقت، كانت هذه المرة من بعض الاسلاميين الذين يسكنون في التشيك وسولوفاكيا لأنهم كما ظنوا أن تحليل الدين اليهودي بهذه الطريقة هو تهجم على الدين الاسلامي. مع العلم أن الكاتب كما يروي لم يذكر أي شيء عن الاسلام. مما دعاه فيما بعد تأليف هذا الكتاب ومناقشة الاسرائليات التي تعطي نفسها الشرعية المطلقة في فلسطين كون تلك الأرض قد سجلت بصك تملك لبني إسرائيل من ربهم حتى يوم الدين كما يدعون.
موسى واخناتون :
نلفت النظر إلى موضوع أصبحت الأبحاث فيه كثيرة حول الشبه بين تعاليم اخناتون وتعاليم موسى واعتمادا على اكتشافات في الحفريات والتي خط منها صاحب نظرية التحليل النفسي بحثه سيغموند فرويد في ( موسى والتوحيد). وأيضا البحث الشامل لسيد قمني في كتابه (موسى وآخر أيام العمارنة- 1999) ويستشهد االدكتور صالح بكتاب القمني في بحثه. هنا يروج للفكرة القائلة بأن موسى وأخناتون هما شخصية واحدة غير منفصلة تتقارب تاريخيا ودينيا. يذهب الكاتب إلى المكتشفات التي حصل عليها من علم الحفريات والتي لاتذكر أي شيء عن شخصية أسمها موسى، ومن النادر على أي بحث كما يقول الكاتب أن يتناول موسى دون تناول شخصية أخناتون ." وفام كثير من الباحثين بدراسة العلاقة بين العقيدة الأتونية التي نادى بها الفرعون إخناتون في مصر وبين عقيدة التوحيد الموسوية. وقد وجد الباحثون بين العقيدتين توافقا كبيرا. ومن وهذه البحوث هي كتب ديورانت وبريستد حيث وجدوا دقة تشابه فيما بين ابتهالات إخناتون لربه الواحد وبين المزامير والمواعظ في التوراة. وحتى الصلوات اتفقت مابين الأثنين وهي تبعد على أن تكون نتيجة توارد خواطر(ص127). ويتابع الباحث بقوله : لم يكن التشابه بين العقيدتين التوحيدتين هو السبب الوحيد الذي دفع الباحثين إلى دراسة العلاقة بين الأثنين ، لكن كان هناك الصمت التام للوثائق التاريخية المصرية عن مايسمى موسى وعقيدته وحياته ومماته. إلى جانب التشابه بين حياة الإثنين فكلاهما أقام عند أقاربه في مدين في صحراء سيناء فترة من الزمن وتزوج كل منهما من أجنبية. وأنه لحد الان لايعرف كيف مات اخناتون(أمنحتب الرابع) وأين دفن ... فقد ولد في عام 1400 قبل الميلاد في مدينة طيبة عاصمة الامبرطورية الواقعة في أقصى جنوب البلاد. وحكم أبوه أمنحتب الثالث من 1417-1379 ق.م وهو الفرعون المشهور برخاء عصره، وأمه (تي) كانت أجنبية أيضا حيث عينها أمنتحب الثالث ملكة ولعبت دور في الأحدث عندما استلم أبنها العرش وهو في سن 16 سنة. وتزوج أخناتون من أجنبية أيضا هي نفرتيتي ( نفس الصفحة).
وفي سياق البحث يكشف الكاتب عن جل التشابه بقوله : أرسل إخناتون وهو طفل إلى سيناء للعيش عند أخواله وعاد بعد موت أبوه ليحكم مدة 17 عام فعاونته أمه في السنوات الأولى. وبدأ بعبادة الإله المصري القديم (أمون) ثم قام بثورة متخذا لنفسه إلها جديدا أسمه أتون حيث اختزل رمزه بقرص الشمس. وغير أسمه من أمنحتب الرابع إلى أخناتون وبنى عاصمة غير طيبة في موقع تل العمارنة وكانت حركته سارية في الفئات المضتهدة في مصر. وأعتبر أخناتون أن الهه هو اوحد خالق البشرية جمعاء ويستبعد كل الالهة الأخرى (ص-67). ومن المعروف أن رجال الدين ضاقوا زرعا به فنفوه إلى منطقة قريبة من سيناء حيث كان يعيش بقايا من الهكسوس الذين كانوا أسرى، ويقال بأنه مات هناك ولاأحد يعلم أين قبره رغم أنه سليل العائلة المالكة.
فوارق موسى التوراة وموسى القرآن الكريم :
في بحثة هنا يبدأ الكاتب بطرح سؤال على نفسه ومن ثم الاستفاضة: إذا كان موسى كإنسان من لحم ودم هو نفسه الفرعون اخناتون ألا يعني أن موسى التوراتي هو نفسه القرآني؟ وإذا كان الجواب نفيا فهذا يعني أن هناك شخصان مختلفان ، أي موسى القرآني والاخر التوراتي. وهنا ماذا يضير مقدسنا الاسلامي لو كان النبي موسى هو فعلا الفرعون إخناتون! لأن القرآن الكريم لايحدد أهل وقوم النبي موسى ولامن أبوه ولامن هي أمه ولم يؤكد لنا أنه إسرائيلي أو عبراني. لقد أعطانا القرآن الكريم معلومات عن موسى ضرورية لسياق القصة وهدفها وعبرتها. كل مانعرفه عن موسى هو أنه شب في قصر فرعون وكان موحدا مؤمنا بالله وأن بنى إسرائيل فيما بعد خذلوه وعادوا إلى عبادة الاصنام ( ص- 156).
باختصار، يقول الباحث أن موسى التوراة مختلف عن موسى القرآن الكريم الذي ذكر اسمه في عدد كبير من الايات القرآنية وذكر علاقته مع قومه من بني إسرائيل.
التوراة والخيال الأدبي المتأثر بثقافة الشعوب المجاورة :
تمت بحوث كثيرة من خلال الحفريات والمكتشفات التي تمت على مراحل وبعد حل رموز اللغات السامية القديمة ، فقد كتب فراس سواح وهو متخصص في الأسطورة عن التشابه في قصة مثل الطوفان عند البابليين والاسرائيليين. ويعلق الكاتب على تلك المكتشفات : لم تعد حكاية الطوفان وحدها هي التي تكشف عن تبعية الكتاب المقدس ، بل أن النموذج الذي احتذت به الاصحاحات وخاصة سفر التكوين هو من المرويات الاشورية.(ص – 63).
فقد تشابه لدرجة لافتة للنظر قصة الخلق الرافدية والاسرائيلية وقصة الطوفان وقصة الحساب والعقاب والجنة والنار. واقتبس هنا نص لفراس سواح بقصة الخلق المتشابة " تنتمي أساطير التكوين في المنطقة إلى زمرة أساطير الميلاد المائي. وهذه الحالة هي عماء مائي لامتميز ولامتشكل في زمن سرمدي.(مغامرة العقل الأولى، ص- 27).
بمعنى أن مايريد الكاتب قوله أن التوراة ذات الأسفار التسعة والثلاثين هي نتاج تفاعل مجتمع بدوي عبراني مع الشعوب السامية الاخرى حيث جرى تأميم لمعلوماتهم الثقافية والدينية في أسفار اليهود ويذهب الباحث إلى أن المؤرخين الذين تكلموا عن إمبرطورية الخزر التي تبنت اليهودية في منتصف القرن الثامن الميلادي وهي مملكة ذات أصول تركية وشعوبها من العرق الأبيض ولذلك كان هناك طائفة (الاشكناز) وهم من اليهود الاوروبين وطائفة (السفرديم) وهم من أصول سامية عربية.وقد نبه إلى شعوب الخزر الباحث البريطاني الجنسية والمجري المولد ( أرثر كويستلر-1905 ) والذي أصدر كتاب عام 1976 عن يهود اوروبا الشرقية الذي يقول بأنهم من أصول خزرية.
خاتمة:
الكتاب تميز بالبحث الدؤوب لكشف زيف الادعاءات الاسرائيلية في فلسطين وخاصة عندما تكون هذه الادعاءات تشريعية في كتب التوراة . والتي تشير إلى صك تملكي لليهود في فلسطين منذ أن أعطاهم الأرض الههم إيل ويهوه وأمرهم بأن يقتلوا الشعب الذي يسكن أرض فلسطين . والان وفي هذا الزمن يقر اليهود بشرعية وجودهم النصوصية إلى التوراة كما يدعون في كتبهم الموثقة . فإذا كان هذا الادعاء ساري المفعول حتى يومنا هذا ، هل يعني أننا نحن العرب نقاوم رغبة يهوه في طرد اليهود من فلسطين
الموضوع منقول