بسم الله الرحمن الرحيم
القوة ثم الاتحاد وليس العكس
القصة الطيبة التي درسناها في كتاب القراءة الطيب عن الشيخ الراقد في فراش الموت وحوله أولاده يعلمهم درس (في الاتحاد قوة) بأن جعل كل ابن يمسك عصا ليكسرها فيكسرها الابن بسهولة ثم يجمع كل العصي في حزمة ويطلب من كل ابن أن يكسرها فيفشل فنخرج بالدرس السابق ذكره، تلك القصة الطيبة كانت فخًّا سياسيًّا وقعت فيه قيادات متعاقبة بأن حاولت أن تطبقه علي الأمة العربية.
دول ضعيفة متفرقة عندما تتحد ستصبح كيانًا قويًا، هذا ما تقوله النظرية وهنا تكمن السذاجة، فوحدة الضعفاء تمنحنا تجمعًا أكثر ضعفًا مثل أن نفتح مستشفيين حكوميين علي بعضهما لنعلن الناتج النهائي صرحًا طبيًّا، لديك الآن تكتل للبيروقراطية والفساد والجهل وقلة الضمير يقوي بأن تغذيه بالمزيد من الأشياء نفسها.
الأصل في الموضوع أن تكون قويًّا ثم تتحد مع من يضاهيك في القامة لا من يضاهيك في اللغة والديانة فقط، عندما اتحدت الدول الأوروبية (ذات اللغات المختلفة) كانت كل دولة ناجحة ومتحققة وقوية في حد ذاتها، شعورها بالقوة رفع درجة طموحها وجعلها تحاول أن تحافظ علي هذا النجاح وتضمن مستقبله فاتحدت وهي تملك ثقافة الاتحاد، لكن أن يتحد الجهلاء، أن تتحد دول نظامها قاسٍ وعنيف، أن تتحد دول فقيرة ومعدمة، أن تتحد دول تعشش فيها الأمراض والأوبئة، فذلك هو الجحيم بعينه.
القوة شرط للاتحاد والعكس ليس صحيحًا دائمًا، لماذا فشلت وحدتنا مع سوريا؟ لأن إحدي الدولتين كانت أقل قوة من استيعاب الأمر فبدا لها وكأنه احتلال أو سيطرة علي السلطة، لو كانت الدولتان ندًّا لما خطر في البال مثل هذه المخاوف، لماذا فشل اتحادنا مع ليبيا لأن الأخيرة شعرت أن الوحدة تلغي شخصيتها.. لأنها ضعيفة، لماذا فشل اتحادنا مع العراق واليمن؟ لأن الدول الثلاث تعاني المشاكل نفسها بلا حلول، فأصبح اتحادها عبئًا إضافيًّا بخلاف سوء نية البعض في سعيه لهذا الاتحاد.
المصريون فقط لديهم صيغة أخري للوحدة فهم متحدون شعبيًّا مع كل دولة عربية علي حدة، تُحتل الكويت فيفر أهلها إلي مصر، تُحتل العراق فيفر أهلها مصر، وكذلك لبنان والسودان وفلسطين. حكام معزولون أو معارضون، مطرودون أو مثقفون وفنانون يبحثون عن فرصة، تستقبلهم مصر بعقد اتحاد عرفي لا رسميا وسيظل هذا السيناريو منصوبًا بحكم أخلاقنا، مصر هي الشقيقة الكبري بابتسامة سائقي التاكسي في وجوه الضيوف لا بالحكومات، بأخلاقنا وكرم ضيافتنا لا بالمعاهدات، بقدرتنا المذهلة علي التسامح لا باتفاقيات الشراكة، نحن كشعب نلعب لعبة الاتحاد ليس بحثًا عن القوة ولكن لأننا أقوياء بالفعل، وغضبتنا علي الجزائر هي غضبة القوي لذلك وأراهنك صديقي القارئ سننسي الاستفزاز الجزائري وسنستقبلهم بعد فترة بكرم ضيافة تعلوه طبقة من العتاب تزول في دقائق (كان النسيان سيصبح أسهل لو كنا صعدنا إلي كأس العالم)، أما الشيخ الذي فشل أبناؤه في كسر حزمة العصي فقبل أن يعلمهم كان يجب عليه أن يعالجهم من الأنيميا.